يتيح نظام سويفت المتعارف عليه دولياً إمكانية إجراء التحويلات بين أهم البنوك في جميع أنحاء العالم من خلال نظام مراسلة خاص به. وقد وصلت قيمة التحويلات عبر هذه التقنية عام 2015 إلى 150 تريليون دولار. وبذلك أصبحَ النظام جزءاً مهماً من النظام المصرفي المركزي العالمي في تنظيم التحويلات.
أما نظام “بلوك تشين”، أو السلاسل المتعددة، فهو نظام تشفير للعملات الرقميّة وتخزينها وضمان سريّة وأمان تحويلاتها، ورغم تشابه النظامين نظرياً، إلّا أن الفروقات في التعامل مع النظامين شاسعة، خصوصاً أنّ تقنية السلاسل المتعددة يعتمد وجودها على عملات رقميّة غير مسجلة كعملات رسمية في أي بلد، وأتّت قيمتها من استثمارات شركات عملاقة، وزيادة القدرة التعدينيّة للشرائح الإلكترونيّة في السنوات الأخيرة. بالإضافة إلى أنّه نظام لا مركزي، أي أنّ البنوك متصلة ببعضها البعض مباشرة على نفس الشبكة ويتم اعتماد المعاملات مباشرة دون إشراف طرف ثالث(غالباً حكومي).
هل نظام البلوك تشين هو المستقبل؟
إنّ نظام سويفت معترف به عالمياً من معظم البنوك التي تتعامل بأكثر من 180 عملة محليّة، واليورو والدولار والين الياباني والجنيه الإسترليني بمعظم الأحيان على نطاق المعاملات الدولية كالفواتير، ومدفوعات الواردات، وقضايا الديون أو الاستثمار في الخارج. كما يسهل النظام دراسة حركة العملات في البنوك المركزيّة والتي تكون في معظم الاحيان غير ثابتة.
ووفقاً لبيانات دراسة أجريت من قبل فنيون لصندوق النقد الدولي، فما زالَت معظم الدول تكون احتياطاتها في البنوك المركزية من الدولار أو الذهب.ولكن بشكلٍ أساسي الدولار لا يزال مهيمناً على التجارة والتمويل العالميين، رغم صعود الصين صناعياّ في العقد الأخير.
ولكن يواجه النظام المالي المبني على الدولار تحدياتٍ عدة حالياً. بدايةً من توجه الدول الآسيويّة للتحول نحو الإنتاج المحلي كإبرام اتفاقية التجارة الحرة الإقليمية الشاملة في 15 دولةً في قارة آسيا والذي سيقلل الطلب على العملات الدولية مستقبلاً. كذلك جائحة كورونا الذي أظهر ضعف هيكلة سلاسل الإمداد العالميّة. بالإضافة للتوترات التجارية بين أمريكا والصين، والتي قد تعيد تشكيل مفهوم الاستخدام الدولي للعملات.
ثم أبرزَت جائحة كورونا مفهوماً آخر للتداول الرقمي، حيثُ ارتفعَت قيمة بعض العملات المشفرة كالبيتكوين والإيثريوم بنسبة 200% عام 2025 فقط، ووصلَ البيتكوين إلى حاجز بلغ 65 ألف دولار. وذلكَ نتيجة استثمار أرباح العديد من الشركات متعدد الجنسيّة بالعملات المشفرة، بالإضافة لقوة تشفير خوارزميات نظام السلاسل المتعددة(البلوك تشين).
ثم سارعَت البنوك المركزيّة الكبرى للدول الصناعيّة ك البنك المركزي الأوروبي وبنك الشعب الصيني بدورها لدراسة العمل على نظام دفع عن طريق البلوك تشين لمواكبة التطورات وإصدار نظام عملاتها الرقميّة الخاصة.
وترى بعض البنوك مثل “كريدت سويس”، أنّ نظام سويفت أصبحَ قديماً وغير مرن وبطيئ في ظل الأزمات التي أبرزتها الجائحة. ناهيكَ عن الهجمات الإلكترونية المتزايدة على النظام. بينما يرى أن نظام البلوك تشين قد يعتمد كبديل بين البنوك حيثُ يكمن أنّ يخفض التكاليف والضغوطات الهائلة للتحويلات، كما أنّه أفضل في حماية بيانات العملاء من المخترقين الإلكترونيين.
مؤشرات المستقبل وثورة المال الرقمي
قد يبدو مؤشر المستقبل هو العملات الرقمية، مترافقةً مع نظامٍ لا مركزي كالبلوك تشين. ولكن نظام السويفت القائم حالياً يمتاز بالثقة. فهو قائم على الأشخاص والبنوك عبر منظمة لديها شبكة دولية بين المصارف لإرسال رسائل آمنة وموحدة تتم فيها التحويلات الاقتصادية. بينما تأتي فكرة البلوك تشين والعملات الرقمية من الاستثمار الفعلي للعملة، وليس الناتج المحلي الإجمالي للدول.
حيثُ يرى محللون أن التحول الحقيقي للعملات المشفرة يتطلب أكثر من استثمار الشركات العملاقة فيها. وإنما تغييرات في البنيّة التحتيّة للاقتصاد الحديث القائم على البنوك والصناعة واحتياطي العملة والمعادن الثمينة كالذهب والفضة.
كما أن عدم مركزية تعاملات نظام البلوك تشين يجعل من الصعب التنبأ بالأسواق المالية. كما أنه يفقد البنوك المركزية سيطرتها على الأموال، وضمان السيادة النقدية تحت ولاياتها القضائيّة.
بينما كذلك تبني الصين إطلاقها لعملتها اليوان الرقمي يقلق السياسة الأمريكية. حيثُ يرى مسؤولون أمريكيون بتصريحاتٍ لوكالة بلومبيرج أن العملة الجديدة للصين قد تطيح بالدولار كعملة الاحتياطي المهيمنة في العالم.
ومنه نجد أنّ التحويل للعملات الرقمية ينطوي على تحدياتٍ سياسية وجغرافية وصناعية وماليّة. قبل أن نفكر بالتحديات التكنولوجية التي قد تواجه الاقتصادات في حال اعتمادها.
اقرأ أيضاً: البنك المركزي التركي يمنع التداول بالعملات المشفرة الرقمية