وضعت دولةُ الإمارات لنفسها أهدافاً متميزةً لرؤيتها الاقتصاديّة المستقبليّة عبر دخول عالم الاقتصاد الأخضر في شتى المجالات, باستراتيجياتٍ واضحةٍ بعيدةِ المدى, فقد أصبحت اليوم الإمارات العربيّة المتحدة مركزاً دولياً لصناعة و استخدام و تصدير المنتجات والتقنيات الخضراء عبر وضع قدمها في المجالات الاقتصاديّة الخضراء كما تصنفها الأمم المتحدة مثل المدن الذكيّة المستدامة كما ونظمَ إكسبو دبي في عام 2025 يومي 9 و10 مارس فعالية افتراضيّة بالاشتراك مع الأمم المتحدة, بحثت الحلول المبتكرة والإجراءات العمليّة الضرورية لتحويل أهداف التنمية المستدامة إلى واقع ملموس، وسلطت جلسات الفعالية الضوء على التزام دولة الإمارات بهذه الأهداف، وقدرتها على تحفيز العمل العالمي وحاجة العالم الملحة إلى إحراز تقدم على مستوى أهداف التنمية المستدامة والطاقة المتجددة، وضرورة مشاركة الجميع في ذلك.
المستقبل الاقتصادي المستدام للإمارات
من الاستثمارات المهمة و المؤثّرة على المدى الطويل التي تبنتها الإمارات، الحفاظ على موارد الطاقة والمياه لتعزيز كفاءة البيئة وبناء استراتيجيات تحقق النمو الاقتصادي, وفي الوقت ذاته تُسهم في القضاء على الفقر وتُراعي الاحتياجات الاجتماعيّة, بما في ذلك التعليم والصحة والحماية الاجتماعيّة وفرص العمل, مع معالجة تغير المناخ وحماية البيئة, وقد كانت الإمارات في المقدمة في تبنّي هذه الأهداف خلال قمة تاريخية للأمم المتحدة في سبتمبر 2015 الذي اعتمد قادة العالم فيه هدفاً للتنمية المستدامة لتعزيز الازدهار مع حماية الكوكب في نفس الوقت. حيثُ أكدَّ تقريرٌ حديث صادر عن مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب الشرق الأوسط، أنَّ دولة الإمارات تعتبر نموذجاً رائداً على مستوى الشرق الأوسط, والأبرز بين دول المنطقة بالمبادرات الخاصة بالاقتصاد الأخضر والتحول لقطاع الطاقة النظيفة, لا سيما في مرحلة ما بعد جائحة كورونا, و قد تجسد ذلك من خلال العديد من المبادرات و المشاريع القائمة على الحدّ من حرق النفط والغاز، وتطوير تقنيات مربحة للجميع, كذلك تقنية التقاط الكربون وتخزينه, بالإضافة إلى بناء وسائل نقل ذكيّة تعمل على الوقود النظيف المتجدد كالطاقة الشمسيّة, كما أنَّه سيسهم في ضخ وتوفير عشرات المليارات من الدراهم في الاقتصاد الوطني سنوياً، ويخلق قطاعات اقتصادية جديدة في ضوء السياسات التي اتخذتها الحكومات في سبيل الاستجابة لجائحة كورونا، حيث قد تحتاج شركات الطاقة إلى إعادة النظر في افتراضها فيما يخص وتيرة تحولات الطاقة وكيفية الاستجابة لها.
وتحلى إكسبو دبي 2025 بأهداف التنمية المستدامة في فعالياته وممارساته, وفي النموذج الذي يقدمه للعالم على مدى فترة إقامته من الأول أكتوبر 2025 إلى 31 مارس 2025, و قد عبرت هند البوم -مديرة تصميم وتطوير المحتوى في إكسبو دبي 2025 -لصحيفة “الخليج” : “أن الاستدامة عصب التنمية، وبدون أن يشتدّ هذا العصب، لن تكون أي تنمية في أي بقعة من بقاع الأرض قابلة للاستمرار, ولأن إكسبو دبي 2025 هو أول إكسبو دولي يُقام بعد وضع أهداف التنمية المستدامة، فقد كانت هذه الأهداف في القلب من خطط استضافة هذا الحدث الدولي”.
وأضافت أن “الاستدامة مكون أساسي في إكسبو 2025 دبي من الألف إلى الياء, بداية من بناء الموقع, ووصولاً إلى برامج الحدث الدولي ومبادراته وفعالياته, وفي ما يتعلق بالموقع, فقد بُني ليستمرَ أثرهُ بعد إسدال الستار على فعاليات الحدث الدولي، حيث كان التأكد من ترك إرثٍ هادفٍ ودائمٍ بعد ختام إكسبو 2025 جزءاً من التخطيط من البداية, وسيكون هذا الإرث اقتصادياً وعمرانياً واجتماعياً, وسيعزز سمعة دولة الإمارات عالمياً كبلد في طليعة الدول التي حققت إنجازات كبرى في مجالات التنمية المستدامة و أكدَّت أنه وبعد انتهاء إكسبو 2025 في مارس 2025, ستُعيد “دستركت 2025″ توظيف 80% من بنية الموقع لإنشاء منظومة ابتكار وبيئة حضرية ذكية معززة بالتكنولوجيا, تسعى إلى دعم مستقبل العمل والسكن”.
و نرى بدايّةً عملياً الأرث العمراني حيث لم تقتصر جهود دولة الإمارات على تقديم الحملات التوعوية التي تدور حول الإقتصاد الأخضر الإماراتي, بل سعت إلى تدشين وإطلاق العديد من المدن المستدامة التي تستخدم طرق حديثة للحفاظ على الموارد الطبيعية وتجنب استنزاف الماء والكهرباء, في الحفاظ على الموارد الطبيعية والحصول على الاقتصاد الاخضر في دبي , كتصميم البيوت الخضراء والمنازل البيئية المستدامة باستخدام مواد بناء صديقة للبيئة لضمان كفاءة استهلاك الطاقة بشكل مثالي، ومن أبرز هذه المدن “مدينة دبي المستدامة” و”مدينة زهرة الصحراء” التي تعتمد على الهيدروجين الأخضر، الذي يتم إنتاجه بالكهرباء عن طريق الطاقة المتجددة. ثم نجد الأثر الاجتماعي حيث نرى جناح الاستدامة على سبيل المثال كنموذج للبناء المستدام القادر على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة والمياه, عبر تقنيات متطورة تُمكّنه من توليد احتياجاته من الطاقة والمياه, لكنه يقدم لزائريه أيضاً تجربة معرفيّة مُلهِمة, تزيد وعي الزوار بأهمية تحقيق الاستدامة في عالمنا, والحفاظ على بيئة كوكبنا ومخاطر ممارسات البشر الخاطئة على استدامة العيش على هذا الكوكب, بالإضافة إلى التعاون مع “دستركت 2025” من خلال إنشاء منظومة ابتكار تشجع على التعاون بين القطاعات المختلفة، وبين القطاعات مرتفعة النمو، وتعزيزها بالتكنولوجيا المتطورة، مثل إنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة لإنشاء مجمّع يدعم التوازن والعافية، مصمم لتوفير مزيج متناغم من الراحة والاتصالات والحياة الاجتماعيّة ,لنرى بعدها التعامل مع آثار التغير المناخي, وذلك عبر سياسات وبرامج تهدف لخفض الانبعاثات الكربونية من المنشآت الصناعية والتجاريّة، بالإضافة لتشجيع الزراعة العضويّة عن طريق مجموعة من الحوافز على المستويين المحلي و العالمي.
عوائد و فوائد معرض دبي
إن معرض إكسبو دبي 2025 حدث عالمي تستقبله دبي خلال أقل من عام ونصف العام, ويستمر 6 أشهر, ويقوم بخلق آلاف الوظائف خلال مرحلة التحضير حيث تعمل شركات محليّة وعالميّة رئيسية ومقاولون من شتى أنحاء العالم معاً على أرض الموقع التي تحتضن هذا الحدث الاقتصادي والحضاري والثقافي العالمي, ومن جانبه قال المدير التنفيذي لمكتب إكسبو 2025 دبي نجيب محمد العلي: “إنَّ إكسبو 2025 دبي يمثل استثماراً مهماً ومؤثراً على المدى الطويل في مستقبل الإمارات، إذ يسهم بأكثر من 120 مليار درهم في الاقتصاد بين عامي 2013 و2031”. وأضاف العلي، خلال مؤتمر صحافي عقد في دبي الاثنين، “إن الحدث العالمي لن يشجع الملايين من أنحاء العالم على زيارة الإمارات في عام 2025 وحسب, بل سيحفز أيضا قطاع السياحة والسفر, ويدعم التنويع الاقتصادي لسنوات بعد إكسبو, تاركاً إرثاً اقتصادياً مستداماً يساعد على ضمان بقاء دولة الإمارات وجهة رائدة للعمل والترفيه والاستثمار”, و قد حقق اقتصاد دبي نمواً قويّاً، خلال العامين المنصرمين بنسبة 3.8% و4.5% على التوالي، بدعم من معرض دبي إكسبو 2025 على أن يضيف المعرض إلى الناتج المحلي الإجمالي للإمارة نحو 33% , بما يعادل 38 مليار دولار، بحسب تقرير حديث صادر عن وكالة «كابيتال إيكونوميكس» البريطانية.
كما أنّ الإمارات تهدف في هذا السياق إلى توليد 27% من احتياجات الدولة من الطاقة من مصادر الطاقة النظيفة بحلول عام 2025، والتي سيتم تعزيزها بشكل أكبر من خلال خطة الإمارات للطاقة 2050, التي تهدف إلى توليد 50% من إجمالي مزيج الطاقة في الإمارات من مصادر الطاقة النظيفة, وتحسين كفاءة الطاقة بنسبة 40% بحلول عام 2050 .
إنَّ شعار “اقتصاد أخضر لتنمية مستدامة” تهدف من خلالها أن تكون دولة الإمارات بلا شكّ رائداً عالمياً في هذا المجال حيث تسعى دولة الإمارات إلى بناء مستقبل مستدام لأجيالها الحاضرة والمستقبلة، لذا تبنت منهجية الاقتصاد الأخضر كمسار من مسارات التنمية المستدامة عبر “استراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء” التي تساعد في تحقيق رؤية الإمارات 2025.