مقاييس غنى الدول

نعلم جميعًا الفروق الاقتصادية بين مختلف الدول، وهو ما يعاني بعضنا منه. فالبعض ينتمي إلى إحدى الدول الغنية المزدهرة تجاريًا، في حين ينتمي البعض الآخر إلى تلك الفقيرة التي تحتاج دعمًا اقتصاديًا وجهودًا جبّارةً لتزدهر كسابقاتها. وهنا نقف عند سؤال محيّر للغاية، ما هي مقاييس غنى الدول؟ كيف أشرنا إلى انتمائنا إلى إحدى الدول الغنية أو الفقيرة؟!
ربما يبدو الأمر محيّرًا بعض الشيء! وربما يعتقد بعضكم أن الحكم على غنى الدول أمرٌ بسيطٌ ولا يتطلب التفكير به سوى عدة ثوانٍ. فالأمر منوطٌ بقدرة المواطن المنتمي إلى هذه الدولة بعيش حياةٍ كريمةٍ دون مكابدة عناء غلاء المعيشة والفقر المدقع، أو الحاجة إلى العمل في عدة وظائف ليتمكن من تأمين حياة كريمة تليق به. لكن قياس غنى الدول لا يقتصر على هذا الجانب، بل يتعداه إلى مناحٍ أخرى أكثر شمولًا. وهي ما سنتعرف عليها في مقالنا هذا.

كيف تحسب ثروة الأمة

بدايةً لتحديد مقاييس غنى الدول، علينا تحديد مفهوم الثروة بشكل دقيق. وهذا ما يتطلب حساب إجمال الأصول لكل دولة. والتي غالبًا ما تقسم إلى أصول مالية أو ملموسة. فالأصول الملموسة أو غير المالية هي تلك التي تتراوح بين المنازل والشركات والسيارات. في حين تشمل الأصول المالية أمورًا مثل الودائع المصرفية، وأسهم الشركات والسندات، وحسابات التقاعد المؤجلة من الضرائب. وعليه يكون:

إجمالي الأصول = الأصول الملموسة + الأصول المالية.

وقد تقترض الدول، مثل الأفراد، لتمويل إجمالي أصولها. ولذلك علينا أن نطرح أي التزامات أو ديون مستحقة للوصول إلى صافي القيمة أو الثروة. وهي ما تشمل الخصوم والرهون العقارية، وديون بطاقات الائتمان، وقروض السيارات، وغيرها من أنواع الديون. ليكون:

صافي الثروة = إجمالي الأصول – الخصوم.

وكثيرًا ما تتطلب مقارنة الثروة بين البلدان للوقوف عند مقاييس غنى الدول مقياسًا موحدًا للثروة يأخذ بعين الاعتبار الاختلافات في عدد السكان. وبالتالي، قد ترغب في استخدام مقياس للثروة للفرد الواحد أو على أساس كل أسرة مثلًا.

ماذا نعني بمقاييس غنى الدول

لطالما اختلفَ علماء الاقتصاد حول مفهوم مقاييس غنى الدول، وكيفية قياس غنى دولة ما. إذ رأوا أن تحديد مقاييس عامة ليس بالأمر السهل، بل يتطلب النظر في العديد من الأوجه التي تتغير مع تغير الزمن. وهو ما يجعل من تحديد ماهية غنى دولة ما، أمرًا في غاية التعقيد. إلا أن الاتفاق الأشمل دار حول مقياسين مهمين هما:

  • الناتج الإجمالي المحلي.
  • الناتج الإجمالي المحلي للفرد.

وبناءً على المقياس الأول، يمكننا القول إن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الأغنى عالميًا؛ إلا أننا وبالنظر إلى المقياس الآخر سنؤكد أن دولة قطر العربية هي الأغنى عالميًا. الأمر محيرٌ لكنه واقعي.

الناتج المحلي الإجمالي كأحد مقاييس غنى الدول

الناتج المحلي الإجمالي (Gross domestic product (GDP)) هو إجمالي القيمة النقدية أو السوقية لجميع السلع والخدمات النهائية المنتَجة داخل حدود البلاد خلال فترة معينة من الزمن. ويعتبر أداة قياس للصحة الاقتصادية في البلد.
وعلى الرغم من أنه عادةً ما يحسب بشكل سنوي، إلا أنه قد يحسب على أساس ربع سنوي أيضًا. ففي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، تصدر الحكومة تقديرًا سنويًا للناتج المحلي الإجمالي لكل ربع مالي، وكذلك للسنة التقويمية.
ويشمل حساب الناتج المحلي الإجمالي للبلاد كل الاستهلاك العام والخاص، والنفقات الحكومية، والاستثمارات، والإضافات إلى المخزونات الخاصة، وتكاليف البناء المدفوعة، وميزان التجارة الخارجي. (إذ تضاف الصادرات إلى القيمة وتطرح الواردات).

ويمكن القول إن الناتج المحلي الإجمالي يزداد عندما تتجاوز القيمة الإجمالية للسلع والخدمات التي يبيعها المنتجون المحليون على البلدان الأجنبية القيمة الإجمالية للسلع والخدمات التي يشتريها المستهلكون المحليون. وعند هذه الحالة، يقال إن البلد يعيش حالة فائض تجاري.
أما في حال الوضع المعاكس، أي إذا كان المبلغ الذي ينفقه المستهلكون المحليون على المنتجات الأجنبية أكبر من المجموع الإجمالي لما يستطيع المنتجون المحليون بيعه للمستهلكين الأجانب، يقال إن البلد تعاني من عجز تجاري. وفي هذه الحالة ينخفض الناتج المحلي الإجمالي.
ويمكن حساب الناتج المحلي الإجمالي وفق ما يعرف بقانون نهج الإنفاق الذي يتمثل في المعادلة التالية:

GDP = C + G + I + NX

حيث:

  • C = الاستهلاك.
  • G = الإنفاق الحكومي.
  • I = الاستثمار.
  • NX = صافي الصادرات.

الناتج المحلي الإجمالي للفرد كأحد مقاييس غنى الدول

يعتبر الناتج المحلي الإجمالي للفرد (Per capita gross domestic product) من مقاييس غنى الدول الشائعة أيضًا. وهو مقياس مالي يحسب بقسمة الناتج المحلي الإجمالي لدولة ما على عدد سكانها. ويعتبر مقياسًا عالميًا لقياس ازدهار الدول. ويستخدمه علماء الاقتصاد لتحليل ازدهار بلد ما استنادًا إلى نموه الاقتصادي.
ويعتبر نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي هو الأكثر عالميةً لأن مكوناته تتّبع بانتظام على نطاق عالمي، مما يتيح سهولة الحساب والاستخدام. في حين يعتبر دخل الفرد مقياسًا آخر لتحليل الرخاء العالمي على الرغم من أنه أقل استخدامًا.
ويبين نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، في أبسط تفسيراته، مقدار قيمة الإنتاج الاقتصادي التي يمكن أن تعزى إلى كل مواطن على حِدة. وبدلًا من ذلك، يترجم هذا إلى مقياس للثروة الوطنية، لأن القيمة السوقية للناتج المحلي الإجمالي للشخص الواحد تساعد في حساب ازدهار البلد بسهولة.

ويعيب هذه الطريقة في حساب مقاييس غنى الدول في افتقار الإحصائيات إلى وضع التضخم بالاعتبار، مما ينتج بيانات غير دقيقة كما الناتج المحلي الإجمالي. كما يعتبر اختلاف نفقات المعيشة لاختلاف قيمة العملة من دولة لأخرى أمرًا آخر مؤثرًا في دقة البيانات. ناهيك عن إهمال هذا المقياس لعمليات المقايضة ومختلف الاستثمارات في التأثير على غنى الدول.

وهكذا تتنوع مقاييس غنى الدول وتختلف، فالأمر غير مقتصر على ما ذكرنا، بل يتعداه إلى العديد من الطرق المختلفة، إلا أن هذين المقياسين يعتبران الأشمل والأكثر استخدامًا بين مقاييس غنى الدول. وعليه يمكن الاعتماد عليهما شريطة قياس غنى جميع الدول المدروسة باستخدام نفس المقياس للخروج بنتائج مقارنة دقيقة.

Scroll to Top