ما هو مفهوم الملاذات المصرفية الآمنة؟ ربما قد سمع الكثير منكم مصطلح الملاذات المصرفية الآمنة وفكر في معناه، وأيضًا قد يُخيل للبعض أن كلمة آمنة تشير إلى معنى إيجابي، لكن في الحقيقة لا تعكس هذه الكلمة معناها الحرفي، بل على العكس تمامًا حيث تعتبر هذه الملاذات المصرفية الآمنة ثقوبًا سوداء سرية تتجه إليها الأموال، كما أنها تلحق أضرارًا كبيرة بالافتصاد العالمي، حيث سنتعرف في هذا المقال على مفهوم الملاذات المصرفية الآمنة وعلاقتها بمفاهيم اقتصادية أخرى، وأيضًا بشخصيات عالمية معروفة .
ماذا تعني الملاذات المصرفية الآمنة
في البداية لا يوجد تعريف محدد للملاذات المصرفية الآمنة، ولم توضع شروط محددة لاعتبار مصرف ما ملاذا آمنًا، حيث تتسم هذه الملاذات بالغموض، لكن بشكل عام يشير هذا المصطلح إلى المصارف التي لا تفرض على رؤوس الأموال الخارجية أي ضريبة مهما كان نوعها، أو تلك التي تفرض ضرائب منخفضة بالمقارنة مع المصارف في الدول الأخرى، بالإضافة إلى المصارف التي تمنح خصوصية و سرية لأصحاب تلك الأموال، كما يمكن أن يكون الملاذ المصرفي الآمن في دولة مساحتها صغيرة ومواردها محدودة، لكنها تتميز بأن قطاعها المصرفي قوي، حيث أن النخب المالية والسياسية ومشاهير الفن والرياضة تتعامل كثيرًا مع هذه الملاذات على الرغم من المخاطر الكبيرة التي تلحقها بالمنظومة الاقتصادية الدولية، بسبب أن هذه الملاذات تسمح لهم بإخفاء أنشطتهم وهوياتهم لكي تحافظ على تعاملاتهم التجارية والمهنية والبنكية، وأيضًا تتسم الملاذات المصرفية الآمنة بعدم شفافية نظمها المصرفية كما أنها ترفض أن تتعاون مع السلطات القضائية.
سلبيات الملاذات المصرفية الآمنة
تسبب الملاذات المصرفية الآمنة أضرارًا بالغة في الاقتصاد العالمي، حيث أن هناك الكثير من الاستثمارات ورؤوس الأموال التي تحتضنها هذه الملاذات بعيدًا عن أعين الدول والحكومات، بالتالي سنعرض لك بعض سلبيات الملاذات المصرفية الآمنة ومنها على سبيل المثال:
- المعلومات التي تشاركها عن الحسابات المصرفية لزبائنها محدودة، وبعضها يفرض السرية التامة.
- لا تطلب من الشركات أو الأشخاص الذين يتعاملون معها أي شروط كالإقامة أو أي بيانات تفصيلية أخرى، حيث أن هذه الشركات تكون في الغالب وهمية والأشخاص غير معروفين.
- تساعد أصحاب الثروات على التهرب من الضرائب عن طريق إخفاء بياناتهم أو أي معلومات تخصهم.
- تعد أداة جيدة لإخفاء الأموال الطائلة التي تم جنيها بالاستعانة بالنفوذ وتجاوز القوانين في أنظمة فاسدة.
- تكبد الدول خسائر اقتصادية بمئات المليارات من خلال نقل الأموال إلى الخارج دون دفع الضرائب المستحقة للحكومة.
- عدم السؤال عن شرعية الأموال أو مصدرها أو حتى مدة إيداعها، بالإضافة إلى الأنشطة التي ستستخدم بها وهو ما يمكن أن يخفي خلفه أنشطة إجرامية أو إرهابية.
- تتيح بسهولة فتح حسابات بنكية سرية، وتأسيس شركات وهمية دون أن تخضع لأي ضرائب.
- تخزين الأموال دون دفع ضرائب.
- تضر اقتصاد الدول المنتجة.
- لا تفرض قيود على حركة الأموال خروجًا أو دخولًا.
- تسمح بتبييض الأموال.
- تدفع إلى التنافس الضريبي الذي يؤدي إلى ضياع الكثير من الأموال على الحكومة.
أماكن تواجد الملاذات المصرفية الآمنة
لا يوجد قائمة محددة لتواجد الملاذات المصرفية حول العالم، حيث أنها تتغير بين فترة و أخرى ويتم تحديثها باستمرار، فمثلًا كانت الإمارات وكوريا الشمالية وتونس و جزر مارشال وماكو ضمن قائمة الملاذات حتى عام 2018، وبعدها أضيف دول جديدة إلى القائمة مثل جزر البهاما وسانت كيتس، وبالمقابل تم سحب دول من القائمة مثل البحرين، ومن ناحية أخرى يمكننا تصنيف الملاذات المصرفية الآمنة بطريقتين:
حسب المناطق
أي يمكننا تقسيم القائمة التي تتضمن الملاذات المصرفية الآمنة إلى أربع مناطق:
- الملاذات الأوروبية: تضم سويسرا, لكسمبورج، هولندا, النمسا، بلجيكا.
- الملاذات البريطانية: تشمل جرسي, جزر كايمان, فيرجين, جبل طارق, جزر البهاما, إيرلندا.
- الأوفشور الأمريكي: ويتضمن ثلاث مستويات (البنوك, بنوك الأقليات اللاتينية, الجزر التابعة لأمريكا).
- منطقة الدول الأخرى: مثل الصومال ودبي.
حسب شهرة الدولة
يوجد دول تشتهر باحتضان الملاذات المصرفية الآمنة وهي :
- دولة بورتوريكو في أمريكا الشمالية، تأتي في رأس القائمة حيث تجذب أكبر كمية من الأموال المهربة.
- جزر كايمان تأتي في المرتبة الثانية بعد بورتوريكو، وهي تعتبر أيضًا سادس أكبر قطاع مصرفي في العالم.
- تليهم سويسرا ثالثًا.
المشاهير وعلاقتهم بالملاذات المصرفية الآمنة
كشفت وثائق باندورا حديثًا أسماء قادة سياسيين وحكام حاليين ومشاهير وفضحت المتورطين والمتهمين بتهريب أموالهم للملاذات المصرفية الآمنة، حيث تضمنت هذه الوثائق حقائق تعكس حالة الازدواجية التي يعاني منها النخبة والمشاهير، خاصةً أولئك الذين يبحثون عن الثراء الفاحش بكل الطرق الشرعية وغير الشرعية، بمعنى آخر كانت وثائق باندورا الحلقة الكبرى من سلسلة التسريبات التي كشفت النقاب وفضحت الثروات، وذكرت هذه الوثائق أن سويسرا تعتبر أفضل الملاذات الآمنة للأثرياء، بالتالي سنعرض بعض الأسماء التي ذكرت في هذه الوثائق على أنهم يتعاملون مع الملاذات المصرفية الآمنة، على سبيل المثال:
- شاكيرا المغنية الشهيرة.
- شيفر عارضة الأزياء الألمانية.
- روبرتو مانشيني مدير المنتخب الإيطالي لكرة القدم.
- تيندولكار عضو سابق في البرلمان الهندي.
حيث أنشأ كل منهم حسابًا في الملاذات المصرفية الآمنة مستغلين أن هوياتهم وأعمالهم مخفية عن الجمهور.
غسيل الأموال وعلاقته بالملاذات المصرفية الآمنة
يعتبر غسيل الأموال بمثابة البوابة الخلفية لتأسيس الملاذات الآمنة، حيث ان نسبة الأموال التي تشارك في هذه العمليات بلغت 5% من حجم الاقتصاد العالمي، حيث أن عملية غسل الأموال تتسبب في تشويه التمويل الدولي وشلل اقتصادات الدول، وأيضًا تلحق الأذى في كل أنحاء العالم، بالإضافة إلى أنها تحتل المركز الثالث عالميًا بين الأعمال التجارية بعد تجارة النفط وتحويل الأموال، بمعنى أن هذه العملية تتم خارج إحصاءات العمليات الاقتصادية التي تتم علنًا، وبالتالي تتركز مثل هذه العمليات في الملاذات المصرفية الآمنة.
الجهود التي تبذل لمكافحة الملاذات المصرفية الآمنة
يتوجب على الحكومات إيقاف هذا النزيف المستمر لرؤوس الأموال إلى الخارج، حيث تبذل الحكومات جهودًا كبيرة للقضاء على هذه الملاذات، وتسعى لتشريع عقوبات حقيقية على الدول التي تحتضن الملاذات المصرفية، بالإضافة إلى أنه في بيان مشترك شجع الخبراء الحكومات على تنظيم عملها سويًا، وأيضًا إنشاء منظمة أممية للقضاء على الاحتيال والسرية والتهرب من الضرائب، وحذر الخبراء من خطورة إخفاء الأشخاص والشركات لأموالهم بغية التهرب من الضرائب أو بغية غسيل الأموال، حيث أشاروا أيضًا إلى إمكانية استخدام فوائد هذه الأعمال الغير شرعية لتحسين الظروف المعيشية وتمويل بعض الخدمات العامة، بالتالي تم الوصول إلى اتفاق ضريبي وضع حدًا أدنى عالميًا يجب على المصارف متعددة الجنسيات الالتزام به وهو نسبة 15% على الأقل، وذلك في محاولة لعلاج هذه المشكلة وتبعاتها.
في النهاية نكون قد شرحنا ما هي الملاذاتِ المصرفيةِ الآمنة، وتحدثنا عن سلبياتها وخطورتها على الاقتصاد العالمي، فإذا كنت تعتقد أنها آمنة حقًا سيكون مقالنا قد وضح لك الأفكار الصحيحة حولها.