الاقتصاد المنغلق the shut-in economy هذا المصطلح لم يكن يُطرح بكثرة، بالرغم من أنه كان موجودًا في العقد الماضي، حيث كان ينمو ويتطور مع نمو عمليات الشراء والتسوق عبر الإنترنت، في الحقيقة كان يشق طريقه إلى حياتنا دون أن ندرك ذلك، فمع بزوغ فجر عام 2025 وظهور جائحة كورونا، وبعد أن طُلب منا جميعًا أن نغلق على أنفسنا في المنزل، بدأ هذا المصطلح يلمع.
ومع استمرار الفيروس التاجي في مسيرته حول العالم، ولجوء الحكومات إلى تدابير الصحة العامة المثبتة، مثل التباعد الاجتماعي لتعطيل العدوى جسديًا، أدى هذا إلى قطع تدفق السلع والأشخاص، وتوقف الاقتصادات، وحدوث ركود عالمي، فبدأت تنتشر العدوى الاقتصادية بنفس سرعة انتشار المرض نفسه، فبدأ يتسارع النمو في العمل عن بعد والتعلم عن بعد ومن جانب آخر أخذت التجارة الإلكترونية في الازدهار، و خدمات توصيل الطعام، كل هذا أدى إلى تسريع نمو ما يسمى الاقتصاد المنغلق.
ما هو الاقتصاد المنغلق
الاقتصاد المنغلق هو نموذج اقتصادي يقوم على مبادئ النزعة الاستهلاكية من المنزل، ففي جوهره يدور الاقتصاد المنغلق حول مفهوم البقاء في المنزل، وهذا يشمل الأكل في المنزل، والعمل في المنزل، والتواصل الاجتماعي من المنزل، وما إلى ذلك.
كما يوفر النموذج الاقتصادي للاقتصاد المنغلق بشكل أساسي الطلبات من المنزل للمنتجات والخدمات التي يمكن استخدامها دون الحاجة إلى الانتقال من المنزل، وكان هذا نموذجًا بدأ بالفعل في تأكيد نفسه قبل تفجر الوباء، حيث كانت ممارسة طلب المنتجات والخدمات عبر الإنترنت شائعة وتنتشر بشكل متزايد، ولكن ظهور الوباء أعطاه دفعة لا يمكن إيقافها.
مراحل تطور الاقتصاد المنغلق
هناك العديد من العوامل التي ساهمت في نمو وتطور الاقتصاد المنغلق على مر السنين. في حين أنه من الصعب تحديد المعالم الدقيقة أو الأحداث التاريخية التي ساهمت في تطوير الاقتصاد المنغلق. إلا أن هناك تطورات تكنولوجية محددة وتغيرات في طلب المستهلك كان لها مساهمة واضحة بمرور الوقت.
ظهور الويب ونمو قدرات الانترنت
نما استخدام الإنترنت بشكل كبير في العقدين الماضيين، ففي تسعينيات القرن الماضي لم يكن لدى الكثير منا جهاز كمبيوتر، وكانت قدرات الكمبيوتر محدودة، ولكن بعد عشرين عام، أصبح لا يمكن للعالم أن يعمل بدون أجهزة كمبيوتر، وفي الوقت الحاضر أصبحنا نعتمد على مجموعة كاملة من التطبيقات والبرامج في حياتنا اليومية، فقد أعطت قدرات الإنترنت المتاحة الآن للفرد العادي المستهلك قوة متزايدة في السوق، حيث يمكننا المزايدة على السلع بمواقع مثل ebay، ويمكننا استضافة اجتماع مع الزملاء حول العالم باستخدام zoom، ويمكننا طلب طعام جاهز وطلب سائق لإحضاره إلينا، و يمكننا القيام برحلة سياحية افتراضية دون مغادرة المنزل، فبدون النمو في قدرات الإنترنت، لن يعمل الاقتصاد المنغلق في قدرته الحالية.
نمو وسائل التواصل الاجتماعي
بالتوازي مع نمو وتطور الإنترنت، شهدنا نمو وسائل التواصل الاجتماعي. فبظهور منصات وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وانستجرام لم نعد بحاجة إلى مغادرة المنزل لنكون مع أصدقائنا. فنمو وسائل التواصل الاجتماعي لعب دورًا مهمًا في المساهمة بتطوير الاقتصاد المنغلق.
تطوير تقنيات جديدة
كما نما الاقتصاد المنغلق نتيجة للتقدم التكنولوجي في جميع أنحاء العالم، ويتضمن ذلك تطوير التطبيقات حسب الطلب وإمكانيات الإنترنت التي تحافظ على تشغيل هذه التطبيقات، كما يتضمن أمثلةً مبتكرةً للاستخدام التكنولوجي، مثل استخدام الطائرات بدون طيار (الدرون) لتوصيل الطلبات ووجبات الطعام، وأتوقع أننا سنستمر في رؤية المزيد من الابتكارات في هذا الصدد في السنوات المقبلة لمزيد من الدعم وتعزيز الاقتصاد المنغلق.
رغبة المستهلك عند الطلب
يعرف المستهلك الحديث ما يريده ومتى يريده. على سبيل المثال، دور السينما لا تزال تعمل، لكن الكثير من الناس يتجنبون الاضطرار إلى مغادرة المنزل لمشاهدة عرض يتم عرضه في وقت معين في مكان معين، نعم من الصحيح أن المؤثرات الصوتية رائعة لكن لا يمكنك التوقف مؤقتًا إذا كنت بحاجة إلى الذهاب إلى الحمام. وبالتالي أصبح الشائع الآن أن نختار العرض الذي نريد مشاهدته ونشاهده عندما نريد ذلك.
لا تنطبق مبادئ عند الطلب على الترفيه فقط، يمكننا أيضًا طلب توصيل طعامنا إلى بابنا في غضون فترة زمنية معينة. ولماذا تسافر عبر العالم لحضور مؤتمر عمل بينما يمكنك الاتصال هنا الآن عبر الإنترنت.
نحن نعيش الآن في عالم يريد فيه المستهلكون منتجات وخدمات عند الطلب. وقد ساهم ذلك بشكل كبير في نمو وتطور الاقتصاد المنغلق.
جائحة فيروس كورونا
في حين أن النقاط التي ناقشتها سابقًا صحيحة، لكن لم يكن أي منها مؤثرًا مثل جائحة فيروس كورونا، حيث شهد عام 2025 انقلاب العالم رأسًا على عقب، فتم إغلاق البلدان في جميع أنحاء العالم، بدرجات متفاوتة.
مما أدى إلى أن الناس استبدلوا رحلات السوبر ماركت بالتسوق عبر الإنترنت، وتم إلغاء المؤتمرات والفعاليات وبدلًا من ذلك تم عقدها عبر الإنترنت، وتم إغلاق المدارس وأصبح في المقابل الفصول الدراسية الافتراضية، وتحول الناس إلى السياحة الافتراضية كوسيلة للهروب من الواقع، فخلال هذا الوقت لم نتمكن من الحفاظ على أساليب حياتنا التقليدية، حيث كان علينا التكيف مع الوضع الطبيعي الجديد، فكل هذا أدى إلى ازدهار الاقتصاد المنغلق.
مزايا الاقتصاد المنغلق
في ما يلي ثلاثة من أبرز الآثار الإيجابية.
- تأثيرات بيئية أقل: إذا بقينا في المنزل أكثر، فهناك انخفاض حتمي في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن السفر، ويعني البقاء في المنزل أيضًا تقليل الازدحام على الطرق وشبكات النقل العام وتقليل الآثار الضارة على الحياة البرية المحيطة.
- الوصول الفوري إلى الأشخاص والمعلومات عبر الإنترنت: يعد التفاعل الاجتماعي عبر الإنترنت مكونًا مهمًا للاقتصاد المنغلق، حيث تتيح التطبيقات وبرامج الإنترنت للأشخاص التواصل على الفور دون مغادرة منازلهم، الأمر الذي يساعد على العمل بكفاءة أكبر عن طريق تقليل الحاجة إلى أوقات السفر. ويمكننا القول أيضا بالنسبة للمناسبات غير الرسمية أنه يمكن للأشخاص التواصل الاجتماعي وحضور الأحداث دون مغادرة الكنبة. نظرًا لأن الاقتصاد المنغلق يعتمد على أسس تقنية الإنترنت. فإن العديد من المنظمات التي تعمل في هذا القطاع لديها قواعد بيانات كبيرة تحتوي على تفاصيل الاتصال بعملائها. مما يمكنهم من توزيع الأخبار، مثل العروض الخاصة والعروض الترويجية، بسرعة وفعالية. وهذا يعتبر تأثيرًا إيجابيًا آخر للاقتصاد المنغلق.
- التغلب على حاجز المسافة: مكّننا الاقتصاد المنغلق من التغلب على حواجز المسافة، هذا يعني أنه لم تعد مشكلة بالنسبة للعائلات أن تعيش في جوانب متقابلة من العالم أو أن يكون لدى الشركات موظفين في مواقع جغرافية مختلفة، حيث أنه بفضل التطورات التكنولوجية في العقدين الماضيين، يمكننا الآن التواصل مع بعضنا البعض بسرعة وفعالية، بغض النظر عن الموقع.
عندما لا تكون المسافة عائقًا، فمن المحتمل أن تتغير أجزاء أخرى من كيفية عملنا في المجتمع أيضًا.
هذا يعني أن الشركات لديها القدرة على توظيف موظفين ذوي جودة أفضل، وبالتالي يحققون بعد ذلك عوائد أعلى وتتحقق بذلك فائدة أكبر للشركات والمنظمات. وينتج أيضًا عن ذلك احتمال ارتفاع الأجور مع زيادة المنافسة على أفضل الموظفين، وهذا الأمر يعتبر ميزة للموظفين.
مساوئ الاقتصاد المنغلق
في حين أن هناك عدة مزايا للاقتصاد المنغلق، إلا أن هناك عيوبًا أيضًا سوف نسلط الضوء عليها.
- يثبط التفاعل الاجتماعي: لقد تغيرت الطريقة التي نتواصل بها مع بعضنا البعض إلى الأبد. على سبيل المثال، أصبح الأطفال يتواصلون مع أقرانهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بدلًا من التواصل الواقعي. وتم الاستعاضة عن المؤتمرات بندوات عبر الإنترنت. لكن في الحقيقة إن فرص التواصل المتاحة في المؤتمرات التقليدية لا يمكن أن تكون جيدة أبدًا عبر خدمة البث عبر الإنترنت أو مؤتمر الفيديو. وللأسف أصبحت العديد من المؤسسات ترى هذا الآن كبديل أرخص ومتاح لمجموعة أكبر من المشاركين.
- التأثير السلبي على العديد من الشركات: من الصحيح أن بعض الشركات تستفيد بشكل كبير من الاقتصاد المنغلق مثل أمازون ونيتفلكس. ولكن هناك العديد من الشركات التي لا تستطيع المنافسة في هذا السوق المتغير. فالمطاعم مثلًا الآن بها طاولات فارغة. حيث كان العملاء يأكلون في السابق، أما الآن يأكلون في منازلهم. ودور السينما والمسارح أصبحت نادرًا ما تملأ. والآن تغلق العديد من المتاجر حول العالم أبوابها لأنها لا تستطيع منافسة عمالقة الإنترنت مثل أمازون.
- يتطلب اتصالاً قويًا وموثوقًا بالإنترنت: تعد إمكانية الوصول قضية أساسية في تشغيل الاقتصاد المنغلق. نظرًا لأن الاقتصاد المنغلق يعتمد بشدة على اتصالات الإنترنت. وبالتالي أولئك الذين ليس لديهم اتصال جيد بالإنترنت، لا يمكنهم المشاركة بنشاط في العديد من الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالاقتصاد المنغلق. وينتشر هذا بشكل خاص في البلدان أو المناطق التي لا يتوفر فيها الاتصال بالإنترنت أو يكون ضعيفًا.
- زيادة الهدر: في حين أن اقتصاد الإغلاق قد يكون مفيدًا للبيئة من حيث أنه يساعد في تقليل الحاجة إلى النقل. إلا أنه غالبًا ما ينطوي على زيادة استخدام مواد التعبئة والتغليف. حيث يتطلب توصيل الطعام والمنتجات الأخرى إلى باب منزلك التغليف المناسب. يتم ذلك أحيانًا مع مراعاة التأثيرات البيئية، ولكن في أحيان أخرى لا يحدث ذلك. على سبيل المثال، تطلب منتج ما صغير الحجم فيصلك ملفوفًا بطبقة ضخمة من غلاف الفقاعات البلاستيك وصندوقين من الورق المقوى. ومن الصحيح أن هذه العبوات قابلة لإعادة التدوير في بعض الأماكن، لكن للأسف ليس هذا هو الحال في كثير من أنحاء العالم.
تأثيرات الاقتصاد المنغلق على صناعة السياحة
إذن كيف يؤثر نمو ووجود الاقتصاد المنغلق على صناعة السياحة؟ باختصار ليس جيدًا جدًا، فصناعة السياحة تعتمد على التفاعل البشري بطرق عديدة. سواء كان المطعم الذي يختار السائحون تناول الطعام فيه، أو الملهى، أو المنتزه الترفيهي الذي يقضون فيه اليوم، أو المعبد الذي يزورونه. في الواقع لا يوجد مجال كبير للاقتصاد المنغلق في هيكل صناعة السياحة. فالسياح يريدون الاستلقاء على الشاطئ وتجربة الترفيه المعروض ومشاهدة المعالم السياحية المحلية. لذا بالطبع كان هناك تأثير ضار كبير على صناعة السياحة نتيجة لوباء فيروس كورونا، تم إغلاق الأعمال وفقد الكثير من الناس وظائفهم، هذا يدل على أن الاقتصاد المنغلق لا يتوافق مع صناعة السياحة.
في الختام، لقد شرحنا في هذا المقال ما هو الاقتصاد المنغلق. الذي نما بشكل كبير في السنوات الأخيرة وهو موجود ليبقى. في حين أننا قد لا نواجه دائمًا التطرف في الاقتصاد المنغلق الذي أحدثته جائحة فيروس كورونا.