النحل الزاحف ليس نوعًا مفترسًا من النحل، بل عارضٌ مرضيّ يتسبب به نوعٌ من البكتيريا يهلك النحل في المستعمرات. وفي حال كنت من مربيّ النحل ستدرك الخطر المحدّق بمشروع تربية النحل خاصتك، لأن أعراض هذا المرض تتطوّر نحو الأسوأ وبسرعة. فهي عدوى؛ ما يعني أنها ستنتشر وقد تصل إلى الملكة، مهددةً استمرارية منحلتك، وطبعًا جودة وكمية إنتاجك من العسل. لكن لحسن الحظ تتوافر بعض الطرق التي يمكن من خلالها علاج أو الوقاية من زحف النحل، تابع القراءة لمعرفتها.
أمراض تصيب النحل
النحل طبعًا كائناتٌ عضوية معرّضة لذات الأخطار التي قد تواجهها جميع الأحياء، لذا فهي تمرض أيضًا! وتختلف الأمراض التي تصيبها باختلاف مسبباتها، وهي على أربع فئات:
- عدوى بكتيرية: كالحضنة الأمريكية، والحضنة الأوروبية.
- أمراض فيروسية: كفيروس شلل النحل بأنواعه، فيروس خلية الملكة السوداء، وفيروس الجناح المشوّه.
- أمراض فطرية: كالحضنة الطباشيرية، و Stonebrood.
- الآفات والطفيليات: مثل عثّ Varroa المدمّر، وعثّ Acarine، وعثّ الشمع، وعدوى النوزيما المرتبطة بفيروس خلية الملكة السوداء.
أحدها يتسبب بزحف النحل وهي عدوى النوزيما nosemosis، التي تظهر في فئة الآفات والطفيليات، ولها للأسف ارتباط فيروسي.
عدوى النوزيما nosemosis
بشكل رئيسي يتسبب نوعان من الطفيليات بإصابة النحل بعدوى النوزيما، أحدهما أشد وطأةً من الأخرى. ظهرت هذه المجهريات التي صنّفت لاحقًا كفطريات لدى عسل النحل الأوروبي أولًا، وأطلق عليها Nosema apis وهو النوع الأول الذي يسبب ظهور النحل الزاحف. أما النوع الثاني Nosema ceranae فهو تطوّرٌ أكثر فتكًا من النوع الأول الذي ظهر كآفة تصيب عسل النحل الآسيوي. كما ويمكن للنوع الثاني أن يصيب عسل النحل الأوروبي أيضًا.
تستهدف هذه الفطريات الممرضة للنحل خلايا المعدة والأمعاء لديها، وبإمكانها إحداث ضرر غير قابل للتراجع داخل أمعاء الأفراد البالغة منها. أما عن كيفية إصابة النحل بها فالأمر بسيط والطرق عديدة، فالنحل كما تعلم يعيش مرتحلًا للبحث عن غذائه وهو الرحيق. بالتالي فإنه يحصل على الغذاء والماء من مصادر قد تكون ملوّثة بأبواغ هذه الفطريات، أو قد يلتقطها من أفراد خلايا مصابة، أو بيوت نحل مستعملة تفشّت فيها هذه الفطريات. ويكفي أن ينبت بوغ واحد لنشر العدوى في مستعمرة كاملة.
يصيب كلا نوعيّ العدوى الأفراد البالغة أي النحل العامل والذكور وملكات النحل، كما وتتشابه دورة حياتهما، وتكون كالتالي:
- تبتلع النحلة بوغ النوزيما الذي وفور وصوله الأمعاء الوسطى يبدأ بالانتشار لتبدأ معه العدوى.
- يصل الفطر منتصف القناة الهضمية ويدخل إلى خلاياها، فيمتص عناصرها الغذائية متسببًا بتلف الخلية.
- ينمو الفطر معتمدًا على خلايا مضيفه للاستمرار والتطوّر، وتصبح الخلايا المصابة أكثر عرضة للإصابة بالعدوى الثانوية.
- يبدأ الفطر بالتكاثر فيصيب المزيد من خلايا الأمعاء الوسطى، من ثم تنتج الأبواغ، وهي الطريقة التي تتكاثر بها الفطريات.
- تتطوّر العدوى بشكل كامل منتجة ملايين الأبواغ الجاهزة لإصابة أفراد جديدة، والتي تخرج من النحلة المصابة عبر الجهاز الهضمي.
- تلوّث الأفراد المصابة ببرازها مصادر الغذاء والماء وغيرها من الأسطح بأبواغ الفطريات الممرضة، والتي يمكن من خلالها إصابة مئات الأفراد السليمة بسرعة.
تشخيص النوزيما
حقيقة لا توجد أعراض تشخيصية فعلية لهذه العدوى، بل مجرّد تظاهرات مرتبطة به تبدو على النحل المصاب. حيث تكون هذه المظاهر المرضية أكثر وضوحًا في الظروف الباردة ونقص الغذاء، ويعدّ الفحص المختبري لعينة نحل بالغة الطريقة الدقيقة للتشخيص. حيث من السهل الخلط بين الأعراض العامة المرتبطة بالنوزيما مع العديد من العوامل والآفات الأخرى. وكما ذكرنا سابقًا للنوزيما نوعان بالتالي من الطبيعي أن تختلف التظاهرات مضمونًا وشدةً.
تظاهرات النوزيما والنحل الزاحف
فأعراض Nosema apis الأكثر شيوعًا هي الزحار الحاد أي الإسهال، لكنه لا ينتج في الواقع عن هذه الفطريات. فهذه العدوى باستهدافها لخلايا الأمعاء تجعلها أكثر عرضة للإصابة بأمراض ثانوية، والتي تشترك معظمها بعارض الزحار. حيث يظهر الإسهال البني على الأمشاط ومداخل بيوت النحل الموبوءة بشكل واضح.
بالإضافة لعارضٍ رئيسي آخر وهو ظهور النحل الزاحف حول مدخل الخلية، فتطفّل هذه الفطريات على خلايا الأمعاء يصيب النحل بصعوبة في هضم الطعام. بالتالي تعاني النحلة المصابة من سوء التغذية وتصبح ضعيفة ومنهكة أثناء قيامها بعملها لدرجة أنها تقوم بالزحف لإتمام مهامها. لهذا السبب يطلق على النحل المصاب بنوزيما النوع الأول بالنحل الزاحف، حيث أن النحل المصاب بالنوع الثاني من النوزيما لم يظهر عليه الزحار وزحف النحل.
تكون الإصابة بـ Nosema apis أكثر وضوحًا في الخريف والربيع، لعدم قدرة النحل عندها بالقيام برحلات التطهير. فيتسبب الزحار بنشر العدوى داخل الخلايا بشكل أكبر، لكن بارتفاع درجات الحرارة يمكن للنحل القيام برحلات تطهير بشكل منتظم ما يقوم بخفض انتشارها. وهو للأسف ما يجعلها غير واضحة للنحّال وقادرة على التفشّي من جديد.
عدا عن زحف النحل ستبدو تشوهّات أخرى على أجسادها، كثبات أجنحتها بزوايا غريبة، وانتفاخ بطونها. وقد تبدو أجسادها في الحالات الشديدة مرتعشة ودهنية المظهر. لذا فإنه من الهام لمربي النحل القيام بكشف شبه يومي على خلايا مشروعه للتأكد من سلامة أفرادها.
أما الإصابة بـ Nosema ceranae فهو أمرٌ آخر، حيث أن مستوى العدوى في بيوت النحل يبقى ثابتًا، لكن تصل الوفيات في صفوف النحل أوجها شتاءً. فجثثها المنتشرة حول الخلية هي العارض الوحيد الذي يشير لتفشّي هذه العدوى لعدم ظهور العوارض السابقة كالنحل الزاحف، لذا يعرف بالقاتل الصامت. لكن وبسبب التشابه مع ممرضات أخرى يفضّل إجراء فحص في المخبر للتأكد من نوع الإصابة.
الخطر الحقيقي لزحف النحل
قد تبدو لك العوارض السابقة وخيمة لكن الخطر الحقيقي لم يذكر بعد. فالنحل الذي يتعرّض لهذه العدوى حتى وإن شفي منها لن يسترجع عافيته بالكامل، ناهيك عن أنها لن تتمكن من إفراز غذاء للحضنة من جديد. كما أنها تقلّل من عمر النحل العامل والملكة أيضًا، وتجعل الأخيرة تعاني أثناء وضعها للبيوض، ما يهدد مستقبل المستعمرة.
علاج النحل الزاحف
لحسن الحظ من الممكن الحد من انتشار هذه العدوى في الخلايا، وعلاج النحل الزاحف لحد ما. ويتم الأمر في اتجاهين، يركّز الأول على تقديم الفوماجيلين للنحل وهو مضادات حيوي للمكروبات. أما الثاني وهو الأهم فهو يركّز على الحد من الانتشار عبر التخلّص من أبواغ الفطريات في الخلايا. فأبواغ النوزيما حساسة تجاه بعض المواد الكيميائية كالفورمول وحمض الإيثانويك، كما أنها تموت عند تعرّضها لإشعاعات غاما والأمواج فوق الصوتية. لكن تبقى المعالجة الحرارية هي الأفضل كونها لا تؤذي أفراد النحل المصابة كما قد تفعل الحلول السابقة. وهي تتم بتعريض المعدات والأسطح الملوثة بالأبواغ لدرجات حرارة تصل 49 مئوية، ولمدة لا تقلّ عن 24 ساعة.
كما يمكن اللجوء لأكثر الوسائل التقليدية بين النحّالين ألا وهي العلاج بنبات الشيح العطري، عبر تجفيفه وطحنه، ثم وضع 200 غرام منه في ليتر واحد من الماء، ونقعه لخمسة أيام. بذلك نحصل على منقوع الشيح الذي يقدّم للنحل مذابًا في نصف ليتر من المحلول السكري بكمية صغيرة، مرّتين في الأسبوع. ويفضّل البدء بهذا العلاج في الربيع، لكن يبقى الفوماجيلين الدواء الأكثر ضمانًا وانتشارًا في الوقت الحالي.
الوقاية خيرٌ من قنطار علاج، وهو شعار مربيو النحل الناجحين، فالحفاظ على نحلٍ قوي في منحلتك هو الأمر الأهم. ليس فقط للوقاية بل أيضًا لضمان قدرتها على تجاوز ما تتعرّض له من أمراض أو صعوبات تترافق مع تغيّر الفصول. دون أن يهدد ذلك العائد أو الجودة الإنتاجية لمشروعك. ذلك من خلال توفير الغذاء المغذي خلال فترات الركود، والمعاينة المستمرة لملاحظة أي تصرّفات غير طبيعية. وطبعًا استخدام معدات وتجهيزات جديدة غير مستعملة تنظّف باستمرار، وتتغيّر مرّة كل 3 أو 5 سنوات. عليك ألّا تستسلم عند تعرّض مشروع تربية النحل خاصتك للأمراض أو أي نوع من العقبات، بل تعلّم ممّا قد تواجهه وطوّر أساليبك.