تعتبر السياحة في سوريا رحلة في أعماق التاريخ والحضارات، فهي أقدم بلد في التاريخ استوطنه الإنسـان منذ أحد عشر ألف عام، ولا بُدَّ للبلاد التي يضرب التاريخ جذوره عميقًا فيها أن تكون السياحة من أهمِّ مصادر دخلها القومي، لذا سنتكلم في مقالتنا هذه عن أثر السياحة على النمو الاقتصادي في سورية.
تتمتع سورية بمقومات سياحية تجعل منها أحد المقاصد السياحية العالمية، كما تجعل من السياحة أحد المحركات الأساسية للاقتصاد السوري. حيث تتوفر في سورية جميع عناصر الجذب السياحي، تناغم رائع بين الماضي والحاضر والسهل والجبل والبر والبحر والتاريخ والجغرافيا. فهي بلد السحر والجمال أكثر بلدان الشرق الأوسط جمالًا ودفئًا، ويشعر السائحون فيها بأنهم في موطنهم الثاني لما يجدونه من ترحاب ومودة وحب من أهلها، فمن يزور سوريا لا ينساها ويظل يشتاقها ويشتاق أهلها. فمن المعروف أنّ الشعب السوري بشكلٍ عام معتاد على وجود السياح منذ القدم.
عندما دخل الإسكندر المقدوني سورية سنة 333 قبل الميلاد، وخيّم في تخوم أنطاكيا السورية. وشرب من ماء نبع فيها، قال كلمته الشهيرة (ماء هذا النبع يذكرني بحليب أمي، سورية هي وطني الثاني). وعندما تولى عالم المسماريات الفرنسي شارل فيرلو دراسة فك رموز رُقم أوغاريت، أطلق عبارة (لكل إنسان متحضر في هذا العالم وطنان، وطنه الأم وسورية).
سوريا مهد الحضارات
يعتبر المؤرخين والباحثين وعلماء الآثار سورية مركزًا للعديد من أقدم الحضارات على الأرض وموطن الحضارة والأبجدية. حيث تقاطعت على امتداد الأرض السورية الحضارات الهامة في التاريخ والتي قدمت الكثير للحضارة الإنسانية منذ آلاف السنين (مختلف الحضارات الشرقية التي قامت في المنطقة، الاموريون، الأراميون، الفنيقيون، الكنعانيون، السومريون، الاكاديون، البابليون، الحيثيون، البيزنطيون، الرومان، االيونانيون، الممالك السورية القديمة، الدول الاسلامية).
مقومات السياحة في سورية
سورية من البلاد التي تتمتع بميزات سياحية استثنائية. حيث تتميز بوفرة المزارات السياحية على اختلاف أنواعها، مما له دور كبير في أثر السياحة على النمو الاقتصادي في سورية:
مدن أثرية وقلاع تاريخية في سورية
تعتبر سوريا متحفًا طبيعيًا مفتوحًا على امتداد أراضيها. وتنتشر المدن والمواقع الأثرية التي يزيد عددها عن 4000 مدينة وموقع أثري، كما تعد من أهم الحضارات الإنسانية. ونذكر منها مدينة تدمر الشهيرة وأفاميا وأوغاريت وسرجيلا وعمريت والرصافة ودورا أوربوس ومملكة ماري وإيبلا وشهبا وبصري وغوزانا ومعلولا وغيرها.
أما القلاع فإنها من أهم المناطق الأثرية في سوريا، وتعد قلاع سوريا من أهم القلاع وأكبرها في منطقة الشرق الأوسط لما تملكه من مواقع استراتيجية وخاصة على الساحل السوري ومن أهم هذه القلاع قلعة حلب وهي من أكمل وأكبر القلاع الإسلامية، وقلعة دير سمعان وقلعة الحصن وهي نموذج رائع للقلاع الصليبية، وقلعة صلاح الدين في اللاذقية، وقلعة شيزر، وقلعة دمشق، وقلعة مصياف، وقلعة جعبر في جزيرة وسط نهر الفرات، وقلعة صلاح الدين في حمص، وقلعة المرقب في بانياس، وهي أكبر القلاع السوري المطلة على البحر ولها برج مراقبة عند الشاطئ يدعى برج الصبي. وهناك قلاع مثل: المضيق ويحمور والخوابي والقدموس.
مزارات سياحية تاريخية في سورية
في سوريا الكثير من المساجد والجوامع والمزارات التاريخية الهامة، ومنها المسجد الأموي، وكذلك مساجد آل البيت، ومنها مسجد السيدة زينب في دمشق ومقام السيدة رقية، ومقام ومزار النبي هابيل، كما أن هناك مساجد تاريخية مهمة بأسماء الكثير من الصحابة، مثل: جامع خالد بن الوليد في حمص، ومزارات أبي موسى الأشعري، والحجاج ابن عامر، وكعب الأحبار، ورابعة العدوية، وعمر بن عبد العزيز، ومزارات ومساجد ومقامات كثيرة في دمشق ومناطق سورية.
وهي بلد غني جدًا بالمقدسات المسيحية من كنائس وأديرة هي الأقدم في العالم وأماكن وبلدات مهمة بالتاريخ المسيحي. مثل: معلولا، وجبعدين، وصيدنايا، وكنائس، مثل: الكنيسة المريمية، ودير سيدة النياحوكنيسة، القديس حنانيا، وكنيسة القديس بولص الرسول، وكنيسة الزنار، وكنيسة الصليب، ووكنيسة الفرنسيسكان، وكنيسة قلب لوزه، وكنيسة القديس سركيس، وكنيسة يسوع الناصرية، وكنيسة مار يعقوب، وكنيسة الكلدان، وكنيسة مار افرام، وكنيسة السريان، وكنيسة القديس جاورجيوس، ودير مار جرجس البطريركي، ودير سيدة صيدنايا ودير الشيروبيم، ودير مار الياس شويا، ودير السيدة بلمانا، ودير مار موسى وبطريركية انطاكية، وسائر المشرق، وغيرهم الكثير في جميع أنحاء سوريا.
السياحة العلاجية في سورية
يوجد في سوريا عدد كبير من الينابيع المعدنية. حيث تنبهت وزارة السياحة السورية لأهمية السياحة العلاجية، فأقامت مراكز الاستشفاء ووضعت بعض هذه الينابيع لاستثمار السياحة العلاجية، وأصبحت بعض هذه الينابيع مراكز استقطاب سياحي، ومن هذه الينابيع المعدنية نبع الحياة الواقع على بعد 45كم جنوب دمشق في قرية جباب التابعة لمحافظة درعا، وكذلك ينابيع رأس العين والتي بها مجموعه من ينابيع المياه الكبريتية والمعدنية في مدينة رأس العين التي تتبع محافظة الحسكة.
المناطق الطبيعية والمصايف في سورية
هنا في سوريا تتلون الطبيعة بألوان كثيرة، جمال ما بعده جمال في السهول الممتدة في الوديان في الجبال الشاهقة وسط الغابات السورية البديعة في حقول الفاكهة وغابات الزيتون أو في غوطة دمشق الغناء والربوة ربوة دمشق بمصايفها ومنتزهاتها ومطاعمها المعروفة، على ساحل البحر المتوسط والشاطئ حيث تتلاقى بروعة المشهد وسحر المكان الجبال والغابات مع شاطئ البحر مشهد قل مثيله في مكان اخر، قمم جبلية مغطاه بالخضرة وأشجار السنديان والصنوبر والأرز والبلوط وغيرها بحيرات وانهار وشلالات ومشاهد واجواء حالمة وطبيعة ساحرة، بالإضافة إلى وجود أعرق المصايف وأقدمها في المنطقة العربية وخاصة مصايف ربوة دمشق ومصايف وادي بردى العريقة، ومصايف ومنتجعات جبال سوريا، فتمتاز بالمناظر الخلابة والبساتين والغابات الطبيعية والهواء العليل، إضافة لمناخ سوريا المعتدل والجميل. مصايف البحر والشواطئ في اللاذقية وطرطوس. حيث تنتشر بطول الساحل السوري الشاليهات والفنادق والمخيمات السياحية.
البنية التحتية للسياحة في سورية
تتوفر البنية التحتية السياحية في مدن ومنتجعات ومصايف سوريا الكثيرة، والتي تشمل فنادق الخمس نجوم والعديد من الفنادق العالمية، والقرى السياحية، والفنادق متعددة الدرجات، والتي يزيد عددها على 700 فندقٍ والاستراحات، والمطاعم الضخمة الراقية، والمنتزهات الرائعة، وأماكن تخييم طبيعية في الغابات السورية، وعدد كبير من شركات السياحة، ومكاتب الطيران التي تقدم برامج الرحلات، والخدمات السياحية، ودور السينما، والمسارح ونوادي السهر، والنوادي الثقافية التي تنتشر في كافة المدن والمناطق السورية.
واقع السياحة في سورية
تعتبر السياحة صناعة المستقبل التي تُعقد عليها الآمال في تقدم وتطور سورية، لما للقطاع السياحي من أهمية كبيرة في تنشيط الاقتصاد الوطني، من حيث تشغيل اليد العاملة، ومن خلال القطع الأجنبي الذي يدخل إلى البلاد.
إذا أدركنا أن سورية هي منجم غني للسياحة، إذ أنها مهد لثلاث وثلاثين حضارة، وتتمتع بما يزيد عن 4000 موقع أثري، وتنوع طبيعي واسع من سواحل وجبال وغابات وصحراء وأنهار وكهوف ومصايف، غير أن صناعة السياحة لم تستطع أن تكتشف وتستثمر بعد هذا المنجم الغزير كما يجب.
أشارت معلومات وزارة السياحة خلال سنوات الأزمة إلى تراجع في أعداد السياح وإيرادات السياحة، نظرًا للظروف الصعبة التي فرضتها الأزمة. وكان من بين الحلول المطروحة الاتجاه شرقًا، تنشيط السياحة الداخلية والدينية والثقافية، وتوظيف الدراما السورية في الترويج للمنتج السياحي السوري.
إنه من الضروري في الوقت الراهن مراجعة أسباب تعثّر قطاع السياحة قبل الأزمة وخلالها من أجل التحضير لانطلاقة جديدة. على أن يكون من بين أولوياتها تنشيط السياحة الثقافية الأثرية، لأنها الجاذب الأكبر للسيّاح من الخارج والداخل في حال حقق الترويج لها شروطه العلمية والفنية.
استراتيجية التنمية السياحية في سورية
- إيجاد آليات نوعية للتنمية السياحية وإعادة الإعمار وفق الموارد المتاحة، وذلك بإعادة إعمار المباني والمنشآت السياحية المتضررة. وتعزيز دور القطاع الخاص للاستثمار السياحي، ودعم إقامة مشاريع سياحية صغيرة ومتوسطة، وتنمية وتشجيع الصناعات التقليدية واليدوية.
- تشجيع الاستثمار السياحي، وتهيئة المناخ الاستثماري المواتي لإعادة بناء الثقة مع المستثمرين، وذلك بتقديم التسهيلات والحوافز وإعداد التشريعات اللازمة، وطرح مناطق تطوير سياحي في الساحل السوري جاذبة للاستثمارات، وتبسيط إجراءات التراخيص السياحية، والترويج الاستثماري السياحي لإعادة الإعمار في قطاع السياحة.
- انتهاج توجهات جديدة في سياسات الترويج الداخلي والخارجي، وذلك من خلال تحفيز السياحة الداخلية وتفعيل السياحة منخفضة التكاليف، وتنفيذ سياسة ترويج خارجية من خلال تفعيل دور المغتربين السوريين ليكونوا سفراء لوطنهم، والتركيز على السياحة الدينية نظرًا لأهمية وغنى سورية بالمواقع الدينية.
- رفع كفاءة الإطار المؤسسي وتطوير إمكانياته لتلبية متطلبات القطاع السياحي.
أخيرًا، بعد مرور عشر سنوات عجاف على سورية. ها هي شام الياسمين تزهر من جديد، وتفتح أبوابها لاستقبال السياح لعودة الحياة السياحية كما كانت. ويأتي ذلك في إطار التوجه خلال المرحلة المقبلة، لتعزيز علاقات التعاون الاستثماري والسياحي مع الدول الصديقة لسورية.
وبهدف تحفيز الاستثمارات السياحية في سوريا، أنشئ صندوق التنمية السياحية. لدعم وتسويق إقامة المشروعات التنموية السياحية، والترويج والتسويق السياحي وتطويره. وتمويل المشاركات في المعارض السياحية الخارجية، وتحفيز الصناعات والمهن التقليدية ذات الأهمية السياحية. مع عدة خطوات سنشهد من خلالها بشكل واضح أثر السياحة على النمو الاقتصادي في سورية.