ما هو مفهوم عجز الموازنة

ربما طرق مسامعك مفهوم عجز الموازنة في أحد الأحاديث الاقتصادية أو السياسية بين بعض الأشخاص، فلم تستدرك المعنى المقصود لهذا المصطلح. وها أنت هنا تبحث عن المفهوم الدقيق لهذا المصطلح إرضاءً لفضولك وشغفك في التعلم. باختصار شديد، يمكننا القول إن عجز الموازنة يشير إلى الفرق والنقص بين إنفاق الحكومة وإيراداتها. فكيف يمكن أن يحدث مثل هذا النقص؟ وهل يستديم هذا التأثير على البلاد؟ هذا ما سنتعرف عليه في مقالنا التالي.

ما هو مفهوم عجز الموازنة

يشير مصطلح عجز الموازنة (الميزانية) إلى تجاوز المصروفات للدخل من ضرائب وإيرادات، وعادة ما تقاس النسبة بينهما على مدى عام كامل. كما يمكن القول إن هذا المصطلح يشير ضمنيًا إلى الصحة المالية لبلد ما، إذ تستخدم الحكومة مصطلح عجز الموازنة عند الإشارة إلى العجز المالي الحكومي، على الرغم من إمكانية استخدامه لحالات الأفراد والشركات أيضًا. وكلما زادت كمية العجز، زاد معها الدين الوطني (المبالغ المستحقة المتراكمة على الحكومة) المتراكم على البلاد.

ويعزى سبب عجز الموازنة إلى الركود الاقتصادي أو النمو الاقتصادي البطيء الذي يكلف الحكومة مصاريفًا ضخمة. إذ تتسبب مثل هذه الأزمات في فقدان العمال لوظائفهم، وهو ما يقلل بدوره من كمية الضرائب المترتبة عليهم، ويخفض من إيرادات الحكومة أيضًا.

فضلًا عن ذلك، فإن الإنفاق الحكومي المفرط وغير المسؤول إلى جانب انخفاض مستويات الضرائب، يمكن أن يزيد من سوء الوضع. أما السبب الأخير، فيتمثل في حدوث بعض الأحداث السياسية والاقتصادية غير المتوقعة، كما حدث خلال فترة جائحة كورونا. ويمكن تصنيف حالات عجز الموازنة وفق ثلاثة أصناف هي: العجز المالي، وعجز الإيرادات، والعجز الأولي.

كيفية حساب عجز الموازنة

تعتمد الدول كما ذكرنا آنفًا على حسابات سنوية لتحديد مقدار عجز الموازنة، معتمدةً على حساب الدخل الإجمالي للحكومة والذي يشمل الضرائب المترتبة على الشركات والأشخاص والرسوم المختلفة وغيرها من جهة. وحساب مجموعة النفقات الحكومية كنفقات العلوم، والطاقة، والدفاع، والضمان الاجتماعي، والرعاية الصحية، وما إلى ذلك من جهة أخرى. معتمدة على المعادلة الرياضية التالية في حساب العجز النهائي:

عجز الموازنة = إجمالي النفقات الحكومية – إجمالي دخل الحكومة

وكمثال على عجز الموازنة، يمكننا الحديث عن إحدى أهم الدول، وهي المملكة المتحدة. فبعد انتشار جائحة كورونا، أصبح الوضع خطيرًا على الصعيد الاقتصادي، وحالت الجائحة بين مختلف الجهود الرامية لتحسين الاقتصاد ونجاحها.

ففي الفترة الممتدة بين عامي 2025 و2023 بلغت إيرادات الحكومة 793 مليار جنيه إسترليني. في حين بلغ الإنفاق الحكومي قرابة 1093 مليار جنيه إسترليني (1.1 تريليون). ومنه، وبحساب بسيط، يمكن القول إن العجز بلغ 303 مليار جنيه إسترليني، أي ما يعادل 14.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم كبير للغاية.

وقد موّل الاقتراض حوالي 27% من الإنفاق العام، أي حوالي جنيه إسترليني واحد من كل 3.60 جنيه أنفق بين عامي 2025-2023. وتعادل قيمة المبالغ المقترضة حوالي 303 مليار جنيه، أي 4500 جنيه لكل شخص من سكان المملكة المتحدة.

ويعزى هذا العجز إلى الإنفاق الحكومي الضخم لدعم الخدمات العامة والأسر والشركات خلال فترة الوباء، والركود الاقتصادي العام الذي أصاب مختلف دول العالم. مما رفع الإنفاق الحكومي من 39.8% من الناتج المحلي بين عامي 2019-2023، إلى 52.2% بين عامي 2025-2023.

استراتيجيات خفض عجز الموازنة

يمكن للبلدان مواجهة عجز الموازنة عن طريق تعزيز النمو الاقتصادي باتباع سياسات مالية معينة، كخفض الإنفاق الحكومي وزيادة الضرائب. إلا أن هذه الزيادات الضريبية تبطئ النمو الاقتصادي. كما يمكن اللجوء إلى طباعة عملة إضافية لتغطية المدفوعات على الديون التي تصدر الأوراق المالية، مثل أذونات الخزانة والسندات. وفي حين أن هذه الطريقة توفر آلية لتسديد ديون البلاد، إلا أنها تنطوي على خطر خفض قيمة عملة البلاد، وهو ما يسبب بدوره تضخمًا وزيادة مفرطة في الأسعار.

أما على المستوى الشخصي، يمكن زيادة الإيرادات بطلب زيادة الأجر في العمل، أو العثور على عمل جديد بأجر أعلى، أو حتى العمل في وظيفتين. كما يمكن للأفراد البدء بعمل تجاري جديد، أو سحب أحد قروض الاستثمار، أو تأجير العقارات. كل هذه الخيارات تساهم في رفع الإيراد الشخصي وتحسينه.

ما الفرق بين عجز الموازنة والديون الحكومية

كما قلنا، يشير العجز إلى الفرق بين الإيرادات الحكومية والإنفاق. في حين يدل الدين الحكومي على المبلغ الإجمالي المستحق على الحكومة على مر السنين. وبالتالي فإن كمية الدين أكبر بكثير. وبالعودة إلى مثال المملكة المتحدة، فقد بلغ صافي ديون القطاع العام بني عامي 2025-2023 حوالي 2138 مليار جنيه إسترليني (2.1 تريليون)، أي 97% من الناتج المحلي، أي ما يعادل 32000 جنيه للشخص الواحد.

ما الفرق بين عجز الموازنة وفائض الموازنة

يعرّف الفائض في الموازنة – على عكس عجز الموازنة- حالة زيادة الإيرادات عن إجمالي النفقات. أي امتلاك الحكومة أموالًا إضافية لتخصيصها لمجموعة واسعة من الاستخدامات، بما فيه سداد الديون، وخفض الضرائب، وتمويل البرامج العامة، وما إلى ذلك. كما يمكن توفير رأس مال إضافي للإنفاق المستقبلي في حال حدوث الطوارئ.

تأثير العجز الهيكلي على الموازنة

يرتبط مفهوم آخر بمفهوم عجز الموازنة، وهو العجز الهيكلي. إذ نشير إلى حالة الركود الاقتصادي وزيادة النفقات التي تحدثنا عنها بمصطلح العجز الدوري. في حين يمثل العجز الهيكلي حالة من العجز غير مرتبطة بالاقتصاد، بالتالي لن ينتهي بعد تعافي الاقتصاد. ويتمثل هذا النوع من العجز بشيخوخة السكان، أو التجنب الضرائبي الكبير للشركات، وهو الأمر الذي يؤثر بشكل سيء للغاية على الاقتصاد الوطني، ويساهم في تراجعه. ويعتبر العجز الهيكلي حالة غير مقيسة، أي لا يمكن قياسه في الميزانية، بل يتعين على الحكومات تقديره نسبيًا.

في الختام، توصي الحكومات شعوبها بشكل دائم إلى السعي لتحقيق التوازن الاقتصادي الفردي، لتأثيراته الإيجابية على الدول. ففي اللحظات التي يبدأ فيها التعافي الفردي، يبدأ الازدهار الاقتصادي الوطني بالنمو، ويصبح من الممكن العمل على سد الديون بدلًا من تخصيص الأموال للرعاية الفردية المجتمعية.

Scroll to Top