ما هو الفرق بين التضخم والكساد

ما هو الفرق بين التضخم والكساد؟ إنه سؤال وجيه يخطر ببال الكثيرين لا سيما الذي يعيشون في دولٍ تعاني من أزمات اقتصادية حادة. ورغم أنّ كلًا من التضخم والكساد يشتركان في آثارهما الاقتصادية الكارثية على اختلاف حدّتها، إلا أنهما يقعان على النقيض تمامًا من حيث المفهوم الاقتصادي.

فأنت في حالة التضخم يمكنك أن تشتري سلعةً ما بمبلغ معين اليوم، إلا أنك ربما لن تقدر على شرائها في اليوم التالي لأن سعرها ارتفع كثيرًا بينما انخفضت قيمة نقودك. أي أنّ مستوى معيشتك سينخفض بطبيعة الحال وربما يصل إلى حالة سيئة لو كان التضخم مفرطًا. وربما سمعت بحالات التضخم المفرط التاريخية التي شهدتها دولٌ رمى مواطنوها نقودهم في الشوراع لانعدام قيمتها.

أمّا في حالة الكساد فإن أسعار السلع تستمر بالانخفاض يرافقها زيادة العرض، إلا أنه لا وجود لمن يشتري أصلًا. فالمال ليس في جيوب الناس الذين جعلهم الكساد عاطلين عن العمل نتيجة إفلاس الشركات التي يعملون بها، وذلك بعد انحدار كبير ومتواصل في ناتج الدولة الإجمالي.

هذه مقدمة بسيطة عن مقالنا هذا الذي يجيب عن سؤال ما هو الفرق بين التضخم والكساد. تابعونا

ما هو مفهوم التضخم

التضخم الاقتصادي هو مقياس لمعدل ارتفاع أسعار السلع والخدمات في الاقتصاد. وقد يشمل هذا الارتفاع أسعار الضروريات الأساسية لا سيما أسعار الغذاء، ونفقات السكن والرعاية الطبية. كما يشمل أسعار الكماليات الأخرى كمستحضرات التجميل والسيارات والمجوهرات.

ومن الجدير ذكره أن تأثيرات التضخم السلبية تشمل كل من المستهلكين والشركات على حدٍ سواء. ونظرًا لأهمية هذه المشكلة الاقتصادية الكبيرة، تقوم البنوك المركزية في الدول المتقدمة بمراقبة احتياطياتها باستمرار. وعلى هذا الأساس تعدل سياساتها النقدية للتخفيف من تأثير التضخم حتى لا يتعدى حدًا معينًا (2% على سبيل المثال).

علاوة على ذلك، يعتبر التضخم مصدر قلق لأفراد أي مجتمع لأن حدوثه يعني انخفاض قيمة الأموال الموجودة في جيوبهم بتسارع كبير، فهو يأتي نتيجة انخفاض قيمة العملة وبالتالي انخفاض القوة الشرائية للمستهلك. فمثلًا إذا حصل مستثمر ما على قيمة 5% من الاستثمارات في الأسهم والسندات، ولكن معدل التضخم كان 3%. فمعنى هذا أنه سيربح 2% فقط بالقيمة الحقيقية.

أهم أسباب التضخم

هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تتسبب بارتفاع الأسعار وتفاقم آثار التضخم في الاقتصاد، إلا أن أهم هذه العوامل:

  • زيادة الطلب على المنتجات. ويحدث ذلك عندما يكون الطلب على سلع وخدمات معينة أكبر من قدرة الاقتصاد على تلبيته، مما يؤدي إلى تصاعد متسارع في الأسعار.
  • تضخم تكاليف الإنتاج. ويحدث عندما ترتفع تكاليف الأجور والمواد الأولية اللازمة، وفي المحصلة ترتفع أسعار السلع والخدمات.
  • زيادة المعروض النقدي. تعرف زيادة المعروض النقدي على أنها المبلغ الإجمالي للأموال المتداولة، والتي تشمل النقد والعملات المعدنية والأرصدة والحسابات المصرفية وغيرها. فإذا زاد عرض النقود بشكل أسرع من معدل الإنتاج، فقد يؤدي ذلك إلى التضخم.
  • انخفاض قيمة العملة. ويعني الانخفاض التنازلي في سعر صرف بلد ما، مما يؤدي إلى انخفاض قيمة عملة البلد.
  • ارتفاع الأجور. إذا ارتفعت الأجور بمقدار كبير، فسيتعين على الشركات إما نقل التكلفة، أو العيش بهوامش أقل نتيجة ارتفاع الأسعار المرافقة لارتفاع الأجور.
  • السياسات النقدية الخاطئة. يوجد الكثير من السياسات الخاطئة التي تتبعها الحكومات والتي تؤدي لحصول التضخم. ومن أمثلة هذه السياسات الخاطئة نذكر: الإعفاءات الضريبية لمنتجات معينة، وسياسات تثبيت الإيجار أو تقليل عرض السكن…الخ.

ما هو مفهوم الكساد 

الكساد الاقتصادي هو ركود حاد وطويل الأمد في النشاط الاقتصادي. كما يعرّف الكساد في علم الاقتصاد عمومًا، بأنه ركود شديد يستمر لمدة ثلاث سنوات أو أكثر ويؤدي إلى انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 10٪ على الأقل في سنة معينة. وتعتبر فترات الكساد الاقتصادي أقل تواترًا نسبيًا من فترات الركود المعتدلة، وتميل إلى أن تكون مصحوبة بارتفاع معدلات البطالة وانخفاض التضخم.

ويختلف الاقتصاديون حول مدة الكساد. حيث يعتقد البعض أن الكساد لا يشمل سوى الفترة التي شهدت انخفاض النشاط الاقتصادي، بينما يجادل اقتصاديون آخرون بأن الكساد يستمر حتى النقطة التي يعود فيها النشاط الاقتصادي إلى طبيعته.

أهم أسباب الكساد

ينتج الكساد الاقتصادي بشكل أساسي عن تدهور ثقة المستهلك مما يؤدي إلى انخفاض الطلب، والذي يفضي إلى توقف الشركات عن العمل في نهاية الأمر. كما أنه عندما يتوقف المستهلكون عن شراء المنتجات والدفع مقابل الخدمات، يتعين على الشركات إجراء تخفيضات في ميزانيتها، بما في ذلك توظيف عدد أقل من العمال وبالتالي ارتفاع نسبة البطالة بشكل كبير. ولكن ماذا عن العوامل الأخرى التي تقود إلى ضعف ثقة المستهلك وحدوث الكساد. سنذكر أهمها في هذه القائمة:

  • انهيار سوق الأسهم. حيث يتكون سوق الأوراق المالية من الأسهم التي يمتلكها المستثمرون. كما أن انهيار هذه السوق مؤشر قوي على انهيار ثقة المستهلك.
  • انخفاض طلبات التصنيع. يزدهر العمل التجاري عمومًا بزيادة الإنتاج. فإذا ضعف الإنتاج لفترة طويلة من الزمن، فإن ذلك يدل على حدوث ركود قد يؤدي في مراحل لاحقة لحدوث الكساد.
  • فرض الرقابة الشديدة على الأسعار والأجور. عندما تتحكم الحكومات في الأسعار وتثبتها عند حد معين، بحيث لا يسمح للشركات بتخفيضها، فقد يقودها ذلك إلى تسريح موظفيها حتى تستمر بالعمل.
  • الانكماش. وهو يكافئ انخفاض أسعار السلع الكبير نتيجة عدم وجود طلب عليها.
  • ارتفاع أسعار النفط. تعتبر منتجات النفط عصب الإنتاج لكل السلع والخدمات. لذلك فإن ارتفاع أسعار النفط سينعكس سلبًا على الاستهلاك بحيث تنخفض القوة الشرائية للمستهلكين.

ما هو الفرق بين التضخم والكساد

بناءً على ما ذكر آنفًا، يمكن الحديث عن الفرق بين التضخم والكساد من خلال البنود الآتية:

  • يشير الكساد إلى ركود اقتصادي شديد طويل الأمد يمتد لعدة سنوات، بحيث ينخفض خلالها الناتج المحلي الإجمالي كثيرًا وصولًا لدرجة انعدامه في حالات الكساد الكارثية. بينما يشير التضخم إلى العكس تقريبًا ويتمثل بزيادة أسعار السلع والخدمات خلال وقت قصير ويصبح أثره أكبر إذا تزايد معدل الارتفاع على مدى عدة سنوات.
  • تقاس حدة الكساد من خلال الناتج المحلي الإجمالي، بينما يقاس التضخم من خلال مؤشر أسعار السلع بالجملة (WPI) ومؤشر أسعار المستهلك (CPI).
  • يمكن القول إن حالات الكساد الاقتصادي نادرة مقارنةً مع التضخم الذي تتعرض له اقتصاديات الدول باستمرار.

أمثلة تاريخية عن التضخم والكساد

بهدف توضيح الفرق بين التضخم والكساد، سنعرض عليكم مثالين عن حالتين من أشهر الحالات في التاريخ، إحداهما عن التضخم الشديد في اليونان والأخرى عن الكساد العظيم في الولايات المتحدة.

التضخم الشديد في اليونان 1944

تعرضت اليونان أثناء الحرب العالمية الثانية لأقسى أزمة اقتصادية تمثلت في حدوث تضخم مريع. حيث استمر معدل انخفاض قيمة عملتها ليصل إلى النصف كل أربعة أيام، أي يمعدل تضخم 18% يوميًا. كما أدى ذلك إلى تحول رصيد الميزانية المالية لليونان من فائض كبير عشية الحرب إلى عجز ثلاثة أضعاف هذه الميزانية في العام التالي مباشرةً. إضافة لذلك، انخفض الدخل القومي في اليونان بنسبة 70٪ في السنوات الأولى من الحرب.

ومع تبخر عائدات الضرائب وعدم قدرة اليونان على دفع فواتير الحرب، لجأت البلاد إلى استخدام بنكها المركزي لطباعة الأموال التي تحتاجها. إلا أنّ النتيجة كانت كارثية ومثلت واحدة من أسوأ حالات التضخم المفرط في التاريخ.

الكساد العظيم في الولايات المتحدة 1929

يعتبر الكساد العظيم أشهر الكوارث الاقتصادية في تاريخ العالم الصناعي، حيث استمر من عام 1929 حتى عام 1939. وقد بدأ بعد انهيار سوق الأسهم في تشرين الأول (أكتوبر) 1929. والذي أصاب بورصة وول ستريت بحالة من الذعر وقضى على ملايين المستثمرين الأمريكيين. وعلى مدى السنوات العديدة التالية، انخفض الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار عمومًا. مما تسبب في انخفاض حاد في الإنتاج الصناعي والتوظيف، حيث سرحت الشركات المفلسة عمالها. وبحلول عام 1933، عندما وصل الكساد العظيم إلى أدنى مستوياته، كان حوالي 15 مليون أمريكي عاطلين عن العمل، كما فشل ما يقرب من نصف بنوك البلاد.

ختامًا، يمكن أن نستنتج من مقالنا هذا عن الفرق بين التضخم والكساد أن تأثير الكساد أخطر من التضخم ولكنه نادر الحدوث. ولكن إن حدث فإنه عواقبه كارثية على كل القطاعات وهذا ما يبرهن عليه الكساد العظيم الذي حدث في ثلاثينات القرن العشرين. ولكن من ناحية أخرى، فإن التضخم لا سيما إن كان مفرطًا، فإن عواقبه وخيمه أيضًا وأولها ارتفاع نسبة الفقر وسحق الطبقة الوسطى وغيرها الكثير. ويشهد على ذلك حالات التضخم التي تعرضت لها العديد من الدول ومنها حالة اليونان التي تحدثنا عنها.

Scroll to Top