التضخم الاقتصادي أسباب ونتائج

قد تضع في رأسك البحث في ماهية التضخم الاقتصادي أسباب ونتائج، لاسيما عندما تلاحظ ارتفاع الأسعار أكثر من اللازم بينما يراوح راتبك في مكانه. كما ستلاحظ انخفاض قدرتك الشرائية وستتأثر نوعية حياتك ومعيشتك سلبًا.

فمثلاً، لنفترض أنك في عام 2013 كنت تشتري الحليب بسعر 100 ليرة للكيلو الواحد، بينما تشتريه في عام 2025 بسعر 1500 ليرة للكيلو الوحد. هذا يعني أن السعر تضاعف 15 مرة خلال الفترة الزمنية من 2013 حتى 2025. كما أن هذه الزيادة لا ترجع إلى ندرة الحليب أو صعوبة الحصول عليه، وإنما تعود للانخفاض التدريجي في قيمة العملة. هذا مثال بسيط عن التضخم الاقتصادي.

ومن الجدير ذكره أنّ آثار التضخم الاقتصادي يكون أكثر حدّةً على الأسر منخفضة الدخل، حيث يكون لأي زيادة في الأسعار عواقب وخيمة على هذه الأسر. كما يمتد تأثيره إلى الشركات نتيجة ارتفاع أجور العمالة مما يخفض الأرباح، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض الاستثمار من قبل رواد الأعمال.

مفهوم التضخم الاقتصادي

التضخم هو انخفاض القيمة الشرائية لعملة معينة بمرور الزمن. ويظهر تأثير التضخم عادةً في زيادة متوسط أسعار السلع والخدمات في دولة محددة خلال فترة زمنية معينة. كما أن الارتفاع العام في الأسعار، والذي يعبر عنه عادةً كنسبة مئوية، يعني أن وحدة العملة في دولة تواجه التضخم هي فعليًا أقل قيمة، مما كانت عليه في فترات سابقة.

أنواع التضخم الاقتصادي

يوجد ثلاثة أنواع أساسية للتضخم، تتضمن ما يلي:

  • تضخم الطلب: ويحدث هذا النوع من التضخم عندما يكون الطلب على السلع والخدمات أعلى مقارنةً بالقدرة الإنتاجية. كما يؤدي الفرق الكبير بين الطلب المرتفع والعرض القليل إلى ارتفاع سعر السلعة.
  • تضخم تكلفة الإنتاج: ويحدث عندما تزداد تكلفة إنتاج السلع والخدمات. كما تؤدي الزيادة في أسعار مدخلات الإنتاج (العمالة، المواد الأولية…الخ) إلى زيادة سعر المنتج أو الخدمة.
  • التضخم الداخلي: يؤدي توقع زيادة معدل التضخم الاقتصادي في المستقبل إلى حدوث تضخم داخلي. حيث يؤدي ارتفاع الأسعار إلى ارتفاع الأجور اللازمة لتحمل التكاليف المعيشية المتزايدة. ولذلك فإن الأجور المرتفعة تؤدي إلى زيادة تكلفة الإنتاج، مما يؤثر على تسعير المنتج أو الخدمة، ويستمر الدوران ضمن نفس الحلقة.

أسباب التضخم الاقتصادي

يوجد العديد من الأسباب التي تؤدي إلى حصول التضخم الاقتصادي. نذكر منها:

  • اتباع سياسة نقدية خاطئة، حيث أن السياسة النقدية هي التي تحدد سعر العملة في السوق. كما أن العرض الزائد للمال يؤدي للتضخم وانخفاض قيمة العملة.
  • الاعتماد على سياسة الاقتراض والإنفاق الاقتصادي. حيث تؤدي القروض المرتفعة (الديون) إلى ارتفاع معدل الضرائب المفروضة وطباعة المزيد من العملة الإضافية لسداد القرض أو الدين.
  • زيادة الأسعار نتيجة حدوث فجوة كبيرة بين العرض والطلب في السوق.
  • ارتفاع أسعار المنتجات والسلع نتيجة ارتفاع تكلفة إنتاجها.
  • تقلبات سعر الصرف نتيجة اضطرار السوق المحلية في الدولة التي تواجه التضخم للتعامل مع الأسواق الأجنبية التي تعتمد على الدولار خصوصًا.

حساب معدل التضخم الاقتصادي

يعبر قياس معدل التضخم الاقتصادي عن قياس معدل الزيادة في السعر العام لسلع وخدمات مختارة خلال فترة زمنية محددة. كما يعدل قياس معدل التضخم مهمًا نظرًا لتأثيره المباشر على التكاليف المعيشية، وبالتالي تسببه في تباطؤ نمو الاقتصاد. كذلك يتضمن قياس معدل التضخم الاقتصادي معرفة مؤشر أسعار المستهلك (CPI).

مؤشر أسعار المستهلك CPI

هو عبارة عن قياس مبني على فحص متوسط الأسعار لسلعة افتراضية من السلع والخدمات المختارة المباعة للمستهلكين. كما تؤخذ تغييرات الأسعار لكل عنصر ويحسب متوسط هذه التغييرات. وتشمل هذه السلع والخدمات المواد الغذائية اليومية، وتمتد إلى عناصر أخرى أساسية، مثل: نفقات النقل والسكن والملابس والنفقات الطبية ..الخ.

علاوة على ذلك، يُبلّغ شهريًا عن الأسعار لكل عنصر من قبل مكتب الإحصاءات الحكومي في الدولة المعنية. كما تستخدم التغييرات في مؤشر أسعار المستهلك لتقييم التغييرات في المصاريف المرتبطة بتكلفة المعيشة. بحيث تكون بمثابة معلومات كمية تفيد في تحديد فترة التضخم والانكماش الاقتصادي.

كيفية حساب معدل التضخم الاقتصادي

يعتمد في حساب معدل التضخم الاقتصادي على المعادلة الآتية:

(رقم النهاية – رقم البداية) / رقم البداية * 100

بحيث يعبر رقم البداية عن مؤشر أسعار المستهلك لسلعة معينة عند بداية الفترة الزمنية المراد حساب التضخم على أساسها. بينما يعبر رقم النهاية عن مؤشر أسعار المستهلك عند نهاية الفترة. وبطرح العددين وقسمة الناتج على عدد البداية، ثم  الضرب بـ 100، يمكن الحصول على معدل التضخم كنسبة مئوية.

ماذا لو تجاوز معدل التضخم الاقتصادي النسبة 100%

عندما يتجاوز معدل التضخم النسبة 100%، فهذا يعني أن السلع والخدمات التي يجري تحليلها قد تضاعفت أسعارها، ويستلزم ذلك تغيير سنة الأساس التي يحسب على أساسها، بما يراعي مقدار التضاعف الحاصل في التضخم.

علاج التضخم الاقتصادي

تعمل الحكومات عادة على التحكم بمعدل التضخم من خلال عدة طرق، بعضها جيد والبعض الآخر قد يحمل أثارًا سيئة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي الضبط الخاطئ للأجور والأسعار إلى حدوث ركود وفقدان للوظائف. أما أهم أسلوب تتبعه الحكومات بهدف علاج التضخم هو اتباع سياسة الانكماش في اقتصادها.

كما تهدف السياسة النقدية الانكماشية إلى تقليل المعروض النقدي عن طريق خفض أسعار السندات وزيادة أسعار الفائدة. كذلك تساعد هذه السياسة في تقليل الإنفاق وانخفاض معدل القروض المتاحة. حيث أن خفض الإنفاق يعد من الأمور المهمة لتقليل معدل التضخم.

أمثلة عن نتائج التضخم الاقتصادي

سنقدم في هذه الفقرة عرضًا واقعيًا لبعض الدول التي صنفت ضمن قائمة الدول التي تعرضت لأسوء نتائج التضخم الاقتصادي عبر التاريخ.

التضخم الاقتصادي المفرط في زيمبابوي 2007

عانت زيمبابوي في تاريخها الحديث من تآكل عملتها المحلية وحصول تضخم مفرط بلغ 47% في عام 1998 واستمر ليتحول إلى تضخم مفرط وشامل في عام 2007. كما اتضح ذلك في ارتفاع سعر الصرف الذي انعكس بدوره على ارتفاع أسعار الواردات. وبالتالي أدى إلى حصول تضخم التكلفة نتيجة ارتفاع أسعار العمالة والمواد الخام الداخلة في صناعة المنتجات. إلا أنه بعد عام 2007، وجدت الحكومة أن جميع إجراءاتها باءت بالفشل، فاعتمدت على العملة الأجنبية كوسيلة للتبادل التجاري.

التضخم الاقتصادي المفرط في يوغسلافيا 1992-1994

تعرضت يوغسلافيا في تسعينات القرن العشرين إلى أسوء تضخم قد تتعرض له دولة. كما كان أعلى معدل تضخم مفرط فيها 313%، بحيث أن الأسعار تتضاعف بمعدل 1.41 كل ثلاثة أيام. وقد أدى هذا التضخم المفرط إلى انخفاض الإنتاج في العديد من الصناعات. ومما زاد الطين بلة هو لجوء الحكومة اليوغسلافية آنذاك إلى طباعة المزيد من العملة، مما أدى إلى تضخم المعروض النقدي بشكل كبير. كما أدى ذلك إلى انهيار العملة الرسمية بشكل كامل في عام 1996.

التضخم الاقتصادي المفرط في هنغاريا 1946

تعرضت هنغاريا (المجر) لأسوء تضخم في تاريخها في النصف الأول من عام 1946. إذ بلغ معدل التضخم اليومي 195%، بحيث تتضخم الأسعار كل 15.6 ساعة تقريبًا. ومن الجدير ذكره أن الوضع الاقتصادي في هنغاريا آنذاك كان رهيبًا جدًا لدرجة أن السلطات الهنغارية تبنت عملة خاصة للمدفوعات الضريبية والبريدية، وكانت تعدلها يوميًا عبر الراديو. وقد تزامن هذا التضخم المفرط مع نهاية الحرب العالمية الثانية، ولم ينتهِ إلا بإدخال عملة جديدة يمكن تحويلها إلى الذهب، وبالتالي إلى العملات العالمية الأخرى.

لا شك أن ارتفاع معدل التضخم الاقتصادي قد يؤدي إلى انهيار اقتصادي حتمي للدولة التي يحصل فيها. لذلك فإنه يجب على الحكومات أن تبحث عن الحلول الممكنة وتشجع خبرائها الاقتصاديين للبحث في موضوع التضخم الاقتصادي بهدف لجم التأثيرات الكارثية التي يمكن أن يسببها التضخم المفرط.

Scroll to Top